يذهب دريدا في اطار اشتغالاته على مفهوم الاختلاف واعتباطية الدلالة، إلا أن التجسد لاعتباطية الدلالة وألعابها الحرة يكمن في الممارسة الجنسية في اطار توليد ثنائية الألم واللذة ضمن هذه الممارسة، فالفونيم الصوتي الصادر عن هذه الممارسة بقدر ما يوحي بالألم، فانه يستبطن دلالة تشير الى اللذة في سياق ألعاب التورية التي تظهر شيئاً وتحفز نقيضه حسب الغذامي.
تظهر هذه الثنائية في الأفلام القوطية ( افلام الرعب )، حيث الألم واللذة في تلازم مستمر وفي أفلام مصاصي الدماء بالذات يتم جس مناطق اللذة عند الضحية التي يتم استنزاف مكامن اللذة عندها بالكامل، لمنحها حياة أخرى، حياة أبدية تستشعر الضحية معها المتعة الكامنة فيها، وبدورها فان الضحية تحاول أن تعمم النموذج المتعوي للبشريين الفانين والمحرومين من هذه اللذة، ولذلك فان البطل ( مصاص الدماء) يتحرك من منظوره الفلسفي للأبدية بدوافع خيرة لاشباع الضحايا ومنحهم امتياز ممعانة الفناء الذي تمثله التحديات الثيوقراطية وصلبانه المقدسة والتي تضع نهاية لهذه الأبدية بغرس الصلبان في قلب مصاصي الدماء.
يختزل الإنسان في هذه الأفلام إلى متعة تحافظ على غلافها الخارجي لحجب القبح البيولوجي للأعضاء الإنسانية، وبالتالي فانّ الغلاف الخارجي الجسماني يتحول قبة تشرعن اللذة وتبقي المشاهد بمنأى عن النفور الذي يرافق مشاهد غرس الأنياب في رقبة الضحية والتي تمتزج تأوهاتها بين الألم واللذة، بذا فان الدلالة تمارس لعبها الحر بالمعنى( الدريدوي )، حتى إن شكل الدماء ينفتح على دالة سايكولوجية تشير الى بلوغ الذروة في اقصى غاياتها.
ثمة خاصية أخرى تعضد الاستنتاج السايكولوجي في التناول لنوعية هذه الأفلام وهي خاصية التعارض الضدي بين الكنيسة ورجالاتها الذين يشكلون قوة ممانعة للذة، وبالتالي قوة كبت ايروتيكي، في مقابل مصاص الدماء الخالد الناقم على الكنيسة وصلبانها، وهو يطرح من هذا المنظور بوصفه مسيحاً جديداً حيث يظهر في الغالب وقد عذب من قبل الكنيسة والمجتمع على طريقة المسيح ( الصلب )لانه أراد أن يطلق مكبوتاته مع عشيقة من طبقة أرقى منه امتيازاً، ولذلك فانه يعود للحياة بدافع الرغبة في الانتقام، ولكن الانتقام يأخذ شكل تعميم اللذة كشكل من أشكال تحدي تابو الكنيسة وقمعها لحرية الرغبات الايروتيكية.
بهذا فان اللذة تنتج تخوماً جديدة لمعنى الأبدية وقد تم تجريدها عن جسد الانسان أي انها تسبح في فضاء حر رغم تأطيرها الرمزي في الجسد الإنساني، وبالتالي فإنها ستتحدى العنف الفعلي لقوى الكبت وتحيل فعلية العنف الى مجرد رمز، بذا فان الصراع بين القوتين هو صراع رمزي تشير اليه النهايات المفتوحة للأفلام القوطية التي تعد بعودة البطل رغم القضاء عليه وتشير في الآن ذاته إلى فعلية سلطة اللذة، فاللذة هي عنوان الخلق المستمر التي تتحدى الكائن الهش مهما تسلح بقوانين العفة والاخلاق والتي تظهر في النهاية بوصفها قوانين قهرية تسعى لتقنين استمرارية التاريخ والخلق المستمر.
إن أسطورة الخليقة قائمة على اللذة التي اتخذت تمثيلاً رمزياً هو التفاحة، ولولا هتك قوانين المنع والاقتراب من اللذة التي أفضت إلى التلاقح الايروتيكي لم تكن ثمة صيرورة للتاريخ البشري، بذلك فان اللذة هي تمثيل للأبدية التي تتشكل سيرورتها عبر الايروتيك وتاخذ شكلها الجسماني أو غلافها الخارجي في الانساني بوصفه رمزاً لاستمرارية التاريخ.